أنور رحماني: بالعربيّة

أنور رحماني كاتب وروائي وصحفي جزائري، ومدافع دولي عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، تشكّلت تجربته عند تقاطع نادر بين الأدب والفعل الحقوقي، حيث لا تُمارس الكتابة بوصفها نشاطًا ثقافيًا معزولًا، بل فعلًا أخلاقيًا ومعرفيًا في مواجهة السلطة. مساره الأدبي والفكري جعله أحد أبرز الأصوات الجزائرية المعاصرة المرتبطة بقضايا الرقابة، وتجريم الخيال، وتقييد حرية الضمير. لم يأتِ حضوره من انتماء مؤسساتي أو من حماية رسمية، بل من قوة النص والموقف، ما جعل تجربته تتحول إلى قضية حرية تعبير ذات صدى عالمي.

كتب رحماني الرواية والمقال والنصوص السردية–الفلسفية الهجينة، بأسلوب يتسم بالرمزية الكثيفة، والجرأة السردية، والقدرة على تفكيك البنى العميقة للسلطة. أعماله تشتغل على مساءلة المقدس المصنّع، ونقد العنف القانوني والأخلاقي، وكشف الآليات التي تُستخدم لإخضاع الفرد باسم النظام العام أو العقيدة أو الأخلاق. في نصوصه، لا توجد شخصيات بطولية أو حلول مريحة، بل كائنات مأزومة تعيش داخل متاهات قانونية ورمزية خانقة، وهو ما دفع جريدة الأخبار اللبنانية إلى وصفه بـ «كافكا الجزائري»، في إشارة إلى كتابته التي تكشف عبثية الأنظمة القمعية وتحويل القانون إلى أداة اغتراب وسحق للذات.

المواضيع التي دافع عنها أنور رحماني بوضوح وثبات تشمل حرية التعبير، حرية الضمير، استقلال الأدب عن الوصاية الدينية والسياسية، وحقوق الأقليات، وخصوصًا حقوق مجتمع الميم في العالم العربي. هذه المواقف لم تكن أطروحات نظرية، بل التزامًا علنيًا جعله عرضة للملاحقات والتهديدات والتحقيقات. ونتيجة لذلك، تحولت كتابته من فعل أدبي إلى مسألة عامة، وأصبح اسمه حاضرًا في النقاشات الدولية حول استخدام القوانين العقائدية والأخلاقية لإسكات الكتّاب وتجريم الخيال الأدبي.

في الساحة الأدبية الجزائرية، تبرز أهمية رحماني بوصفه أحد الأصوات القليلة التي دفعت الأدب الجزائري المعاصر إلى مواجهة مباشرة مع أكبر المحرّمات، دون خطاب مزدوج أو تسويات رمزية. لم يكتب من منطقة أمان، ولم يسعَ إلى شرعية سلطوية أو إجماع ثقافي، بل اختار الاشتباك الصريح مع أسئلة الهوية، الدين، الجندر، والسلطة. بهذا المعنى، تُعدّ تجربته تجربة فاصلة أعادت طرح سؤال دور الكاتب في مجتمع لا يتسامح مع الاختلاف ولا يعترف بحرية الضمير.

على المستوى الدولي، حظي اسم أنور رحماني بحضور واسع في الصحافة العالمية، حيث تناولت قضيته صحف ومجلات كبرى مثل لوموند، إلباييس، الجزيرة، International Business Times، TÊTU وغيرها، وقدّمته بوصفه كاتبًا يُلاحق بسبب أفكاره ونصوصه. وذهبت جريدة لومانيتي الفرنسية إلى وصفه صراحة بـ «القلم ضد محاكم التفتيش»، معتبرة تجربته مثالًا معاصرًا لمقاومة الرقابة العقائدية ومحاولات إخضاع الأدب لمنطق العقاب الأخلاقي.

لم يقتصر هذا الاعتراف على الإعلام، بل تُرجم إلى مواقف مؤسساتية وحقوقية واضحة. فقد حظي بدعم عالمي من شبكة PEN International وجميع فروعها الدولية، كما تعترف به PEN America رسميًا ككاتب منفي على منصاتها، في إطار دفاعها عن الكتّاب الملاحقين حول العالم. كما ورد اسمه في بيانات وتقارير صادرة عن منظمات حقوقية دولية مرموقة مثل Human Rights Watch وFront Line Defenders، إضافة إلى ظهوره في سياقات مرتبطة بهيئات أممية معنية بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان. كما ذُكرت قضيته في وثائق ومداولات داخل البرلمان الأوروبي، وفي شبكات برلمانية دولية، بما فيها شبكات داخل البرلمان الإفريقي، بوصفها مثالًا على التضييق على حرية التعبير في الجزائر.

تُوّج هذا المسار بترشيحه إلى القائمة القصيرة لجائزة Index on Censorship لحرية التعبير، إحدى أهم الجوائز العالمية في هذا المجال، اعترافًا بشجاعته الأدبية والتزامه الحقوقي. كما حظي بدعم شرفي رسمي من البرلمان الألماني عبر شبكة برلمانيين من أجل البرلمانيين، وهو دعم سياسي وأخلاقي نادر لكاتب، يعكس اعتبار قضيته مسألة مبدئية تتعلق بحماية الكلمة الحرة، واحترام النظام الدستوري، والدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية.

في الولايات المتحدة، حضر أنور رحماني بقوة في الفضاء الأكاديمي والثقافي، حيث دُعي للمشاركة في قراءات أدبية، محاضرات، ولقاءات فكرية في عدد من الجامعات والمؤسسات التعليمية، من بينها جامعات وكليات في بنسلفانيا ونيويورك وغيرها. وقد قُدّم في هذه الفضاءات بوصفه كاتبًا منفيًا، وشاهدًا معاصرًا على عواقب القمع، وصوتًا يجمع بين الأدب، الفلسفة، ودراسات المنفى وحرية التعبير. الجامعات الأمريكية التي استضافته، مثل جامعات بنسلفانيا، كورنيل، إيثاكا، بيتسبورغ، كارنيغي ميلون، وسليبري روك، إضافة إلى مؤسسات تعليمية وثانوية، تعاملت مع حضوره بوصفه قيمة معرفية وتربوية، لما يحمله من قدرة على ربط النص الأدبي بالواقع السياسي والأخلاقي المعاصر.

اليوم، يُنظر إلى أنور رحماني بوصفه أكثر من كاتب أو روائي؛ يُنظر إليه كصوت ضمير معاصر، وتجربة حيّة تؤكد أن الأدب ما زال قادرًا على إزعاج السلطة، وكشف الظلم، وبناء تضامن عالمي عابر للحدود. أهميته لا تكمن فقط في ما كتبه، بل في ما مثّله حضوره من دليل على أن الكلمة، حين تكون صادقة وجذرية، يمكن أن تتحول إلى فعل مقاومة له أثر إنساني ودولي عميق.